+(39) 351-844-6489

ما بعد النفط وناطحات السحاب: تحدي التصنيع في دولة الإمارات العربية المتحدة في كلمة العبار في مؤتمر القمة العالمية للصناعة والتصنيع 2025

ما بعد النفط وناطحات السحاب: تحدي التصنيع في دولة الإمارات العربية المتحدة في كلمة العبار في مؤتمر القمة العالمية للصناعة والتصنيع 2025

في حقبة تتسم بالتحولات التاريخية - في مجالات الطاقة والرقمية والجيوسياسية - فإن قدرة الدولة على إعادة ابتكار نفسها هي الضمان الحقيقي الوحيد للازدهار الدائم. إن الإمارات العربية المتحدة، الرائدة في عملية التحول المستمر هذه، تجد نفسها الآن في مفترق طرق حاسم: فبعد أن بنت اقتصاداً عالمياً على ركيزتين توأم هما النفط والغاز وقطاع العقارات المستقبلي، حان الوقت لوضع أسس الموجة التالية من النمو. رسم معالي محمد العبار، الشخصية الأسطورية في مجال ريادة الأعمال الإماراتية، المسار بصراحته وبصيرته المميزة خلال منتدى الشارقة للاستثمار - مؤتمر الاستثمار العالمي الثامن (SIF-WIC 2025).

وأمام حضور رفيع المستوى، بما في ذلك سمو الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيس هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، ألقى العبار رسالة قوية وواضحة كان من المقرر أن يتردد صداها في مجالس صانعي القرار في جميع أنحاء البلاد: "سيحدد قطاع التصنيع الموجة التالية من النمو في الإمارات العربية المتحدة. هذا البيان المدعوم بالبيانات الثابتة - "تمثل العقارات 12 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، بينما تبلغ نسبة التصنيع 15 في المائة" - ليس مجرد ملاحظة إحصائية، بل هو دعوة استراتيجية للعمل من أجل مستقبل المنطقة بأكملها.

يهدف هذا المقال إلى الخوض في جذور هذه الرؤية وآثارها ووجهات نظرها، وتحليل ليس فقط خطاب العبار، بل أيضاً السياق الأوسع للمنتدى الذي شهد حديث قادة آخرين مثل أميرة سجواني من شركة داماك وجون أغيلار من شركة ذا فاينال بيتش في حوار متعدد الأصوات حول مستقبل الاستثمار وريادة الأعمال.

السياق: الشارقة والسعي نحو نموذج تنموي إنساني ومستدام

قبل الخوض في صلب رسالة العبار، من الضروري قبل الخوض في صلب رسالة العبار، فهم المنصة التي استضافته. فملتقى الشارقة للاستثمار، الذي ينعقد الآن في دورته الثامنة، والذي اندمج للمرة الأولى مع مؤتمر الاستثمار العالمي، ليس مجرد حدث اقتصادي. فالشارقة التي لطالما عُرفت بكونها العاصمة الثقافية لدولة الإمارات العربية المتحدة، بنت هويتها على التنمية المتوازنة التي تركز على الإنسان والمعرفة والاستدامة طويلة الأمد.

يعكس موضوع المنتدى "تحويل عالمنا: الاستثمار من أجل مستقبل مرن ومستدام" هذه الفلسفة. ففي عالم تهزّه الأزمات المناخية وعدم الاستقرار الجيوسياسي والاضطرابات التكنولوجية، لم تعد المرونة أمراً اختيارياً إضافياً، بل أصبحت شرطاً أساسياً لبقاء الأنظمة الاقتصادية. وفي هذا السياق، فإن اختيار الشارقة كمكان لانعقاد مثل هذا النقاش له دلالة رمزية كبيرة: فهو يمثل رغبة دولة الإمارات العربية المتحدة في استكشاف نماذج نمو بديلة أعمق وأكثر تنظيماً من مجرد ديناميكية المضاربة.

مع وجود أكثر من 10,000 مشارك من 142 دولة، و130 متحدثاً و160 جلسة، رسخ المنتدى العالمي للابتكار في الاقتصاد الإسلامي 2025 مكانته كمفترق طرق عالمي للتفكير الاقتصادي، ومكاناً لمقارنة رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة ودمجها مع التجارب الدولية.

تشخيص العبار: ما بعد دورة الملكية، نحو اقتصاد منتج

إن ما قاله العبار عن العقارات (121 تيرابايت من الناتج المحلي الإجمالي) والتصنيع (151 تيرابايت من الناتج المحلي الإجمالي) هو درس صغير ولكنه قوي في الاقتصاد الحقيقي. فعلى مدى عقود، تشكلت صورة الإمارات العربية المتحدة الدولية من خلال ناطحات السحاب المستقبلية في دبي وأبوظبي. ومع ذلك، يدعونا العبار، الذي كان أحد المهندسين المعماريين الرئيسيين لتلك المعجزة العقارية مع شركة إعمار (فكر في برج خليفة)، إلى النظر إلى ما هو أبعد من ذلك.

لماذا التصنيع؟

  1. التنويع العميق: فالعقارات بطبيعتها دورية وعرضة للصدمات المالية. أما التصنيع فيخلق اقتصادًا أكثر استقرارًا وتنوعًا، وأقل اعتمادًا على تدفقات رأس المال المضاربي.
  2. خلق قيمة حقيقية: في حين أن العقارات تخلق القيمة بشكل رئيسي من خلال زيادة قيمة الأصول، فإن التصنيع يخلق القيمة سابق-نوفومن خلال تحويل المواد الخام إلى منتجات تامة الصنع. وهذه القيمة قابلة للتصدير، وتحسّن الميزان التجاري وتخلق ثروة تبقى داخل النظام القطري.
  3. المستحثات والكفاءات: تغذي سلسلة التوريد الصناعية القوية منظومة من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي توفر الخدمات والمكونات والخدمات اللوجستية. كما أنها تعزز تطوير مهارات تقنية وهندسية عالية المستوى، مما يقاوم هجرة الأدمغة ويخلق رأس مال بشري متخصص.
  4. السيادة الاستراتيجية: لقد علّمتنا الجائحة والأزمات الأخيرة في سلاسل التوريد العالمية أن الاعتماد على الدول الأجنبية في الحصول على السلع الأساسية يشكل خطراً وطنياً. إن وجود قطاع تصنيع محلي، ولو كان قطاعاً متخصصاً، يزيد من مرونة الإمارات العربية المتحدة واكتفائها الذاتي الاستراتيجي.

التحريض على العمل: "ابدأ صغيراً
نصيحة العبار بسيطة بقدر ما هي ثورية في براغماتيتها: "فكر بجدية في التصنيع. ابدأ على نطاق صغير؛ اشترِ طابعة ثلاثية الأبعاد لمنزلك: الأمر ليس معقداً.".

نحن لا نتحدث هنا فقط عن التكتلات الصناعية الكبيرة. فالعبار يجذب طبقة رواد الأعمال، والشباب، والشركات الناشئة. إنه يضفي الطابع الديمقراطي على فكرة "التصنيع". فالطابعة ثلاثية الأبعاد هي عبارة عن طابعة ثلاثية الأبعاد، وهي رمز "التصنيع 4.0" المرن والرقمي والمتاح للجميع. إنها دعوة للتجربة، ووضع النماذج الأولية، وتلطيخ يديك بالمادة. ينصب التركيز على التجريب العملي وعلىالأمانة الفكريةافعل ذلك بأمانة واصنع منتجاً جيداً". في عصر التمويل المبالغ فيه والشركات الناشئة التي تقدر قيمتها بالمليارات دون عائدات، يعيد العبار التركيز على الأساسيات: الحرفية والنزاهة والجودة العالية.

تطور القائد: من الفقر إلى المهمة الوطنية

كانت جلسة "الرؤية والمغامرة والقيمة: تشكيل المنطقة من خلال القيادة" كانت أيضًا رحلة في أعماق نفسية العبار الريادية. كان تأمله في مسيرته المهنية درساً في الإنسانية وتطور الهدف.

الدوافع الأولى الهروب من الفقر
"عندما بدأت، أردت فقط كسب المال. لم يكن لدينا شيء وأردت الخروج من الفقر". هذا الاعتراف، النادر بالنسبة لقائد في مثل مكانته، اعتراف قوي. فهو يزيل الغموض عن صورة رائد الأعمال الذي وُلد بمهمة خيرية ويذكّرنا بأن الدافع الأول غالبًا ما يكون قوة بدائية: البقاء على قيد الحياة، والرغبة في الخلاص. إنها رواية يتردد صداها لدى الملايين من رواد الأعمال الطموحين حول العالم.

التحول: من الربح إلى الهدف
المقطع الحاسم هو ما يلي: "ولكن بمجرد أن تكسب، تدرك أن المكافأة لا تتعلق بالتبرعات. إنه يتعلق بحسن الخلق والأمانة والاهتمام بالعائلة والبلد. أنا أفعل كل شيء من أجل بلدي".
وهنا يحدد العبار فلسفة الرأسمالية المسؤولة ذات الجذور المحلية. لا يقاس نجاح ريادة الأعمال بالأعمال الخيرية (التبرعات)، بل بالأثر المنهجي الذي يتولد عنها: "كل مشروع ننفذه يساهم في الناتج المحلي الإجمالي لمدينة 5%. فنحن نخلق فرص عمل، وندفع الضرائب، ونساعد الشركات الصغيرة على النمو، بدءاً من مصنع النوافذ إلى صاحب المخبز. هذه هي التنمية الحقيقية.".
في هذه الرؤية، يكون رائد الأعمال في هذه الرؤية عامل تمكين للنظم الإيكولوجية. فشركته ليست جزيرة، بل منصة ترفع جميع القوارب في الاقتصاد المحلي.

ركائز النجاح: الجودة والثقة والانضباط "الوحشي

لم يدخر العبار أي نصيحة عملية تستند إلى فلسفة إدارية متقشفة وغير متساهلة.

  1. المنتج كشرف: "إذا كان منتجي جيداً، فسوف يروج لنفسه". في عصر التسويق المهووس بالتسويق، يؤكد العبار على تفوق المنتج. فالثقة التي يولدها المنتج الممتاز هي أقوى تسويق منخفض التكلفة. والإشارة إلى إطلاق 2 مليار دولار في مصر "عبر الهاتف فقط" دليل حي على هذا المبدأ. العلامة التجارية "العبار" هي ضمانة للتنفيذ والجودة. "منتجك هو اسمك واسم عائلتك واسم بلدك". وهنا يندمج الشرف الشخصي والعائلي والوطني مع سمعة الشركة.
  2. الانضباط كسلاح استراتيجي: "يقول الناس أنني متوحش. أنا لست كذلك. أنا منضبط بوحشية". لعل هذا هو التصريح الأكثر أهمية. يميز العبار بين الوحشية تجاه الأشخاص (وهو ما يرفضه) وبين الانضباط الحديدي تجاه العمليات والجودة والتعلم والعمل الجاد. هذا "الانضباط الوحشي" هو ما يجعل من الممكن اتخاذ قرارات صعبة، مثل فصل 350 موظفاً من أصل 400 موظف في السنوات الأولى الصعبة التي مرت بها نون دوت كوم من أجل إنقاذ الشركة وتوجيهها نحو النجاح. إنه الانضباط الذي يحول الرؤية إلى واقع ملموس.
  3. التحدي الرقمي: موقع نون دوت كوم والسيادة التكنولوجية العربية
    تكشف قصة دخوله في التجارة الإلكترونية مع Noon.com عن دافع استراتيجي عميق وشبه وطني: "نحن 400 مليون عربي نستخدم التكنولوجيا خمس ساعات يومياً، ولكن لا علاقة لنا بها. وهذا ما أغضبني".
    لقد أدرك العبار وجود تبعية خطيرة: عالم عربي كامل شديد الترابط يستخدم منصات رقمية تم إنشاؤها في مكان آخر، مع بيانات وقيمة اقتصادية خارجة عن السيطرة الإقليمية. لم تكن خطوته هذه نابعة من الأعمال التجارية فحسب، بل كانت نابعة من إحساسه بالمسؤولية تجاه المستقبل الرقمي للحضارة العربية. كوم هو مشروع للسيادة التكنولوجية، ومحاولة لخلق بطل إقليمي قادر على منافسة عمالقة العالم. وتثبت السنوات الأولى "الصعبة" والتحول اللاحق إلى لاعب "من بين الأفضل في العالم" أن العزيمة والانضباط يمكنهما سد أوسع الفجوات التكنولوجية.

المنظور التكميلي: أميرة سجواني والابتكار في مجال العقارات

إذا كان العبار يوجز التحديات الوطنية الكلية، فإن أميرة سجواني، العضو المنتدب لشركة داماك العقارية، تقدم نظرة جزئية حول كيفية قيام قطاع ناضج مثل قطاع العقارات بالابتكار من الداخل ليظل على صلة بالقطاع.

الابتكار الذي يعزز التقاليد
"الابتكار لا يتخلى عن التقاليد؛ بل يعززها". هذا النهج الذي يتبعه سجواني أساسي. لا يتعلق الأمر بتدمير النموذج القديم، بل بالتطور من "أساس متين". بالنسبة لشركة داماك العقارية، هذا يعني البناء على سمعة الشركة في التسليم (تم تسليم 46,000 منزل) مع استكشاف المستقبل.

التعاون والجمهور الشبابي
تقوم الاستراتيجية على شراكات عالمية لها صدى محلياً وتركيز متزايد على الشباب. فالأجيال الجديدة لا تريد فقط أربعة جدران؛ بل تسعى إلى تجربة معيشية متكاملة بين الرفاهية والتكنولوجيا والمجتمع. تستجيب داماك من خلال إطلاق 28 مشروعاً في عام واحد، والعديد منها "بميزات لم يسبق لها مثيل في السوق". هذا هو المعادل العقاري لـ "المنتج الجيد" الذي أطلقه العبار: التميز من خلال الابتكار الملموس والوفاء بالوعود.

التكنولوجيا المالية ورقمنة الاستثمارات
ومن خلال خبرته في شركة PRYPCO، يجسد سجواني الاندماج بين فئة الأصول التقليدية (العقارات) والابتكار الثوري (التكنولوجيا العقارية). ويقول إن الرقمنة "تسد الفجوة بين التقاليد والمستقبل". تعمل منصات Proptech على إضفاء الطابع الديمقراطي على إمكانية الوصول إلى الاستثمارات العقارية، مما يجعلها أكثر سيولة وشفافية وفي متناول جمهور المستثمرين العالميين. حتى في صناعة "قديمة"، يكمن المستقبل في إنشاء أنظمة بيئية رقمية.

الرؤية العالمية: جون أغيلار وفن توسيع نطاق التغيير

يجلب جون أجيلار، بخبرته في برنامج The Final Pitch، منظورًا دوليًا وتركيزًا على رأس المال البشري. ويكمل حديثه الصورة: الأفكار والمال لا يكفي، فأنت بحاجة إلى العقلية الصحيحة.

ما بعد التمويل: رحلة رائد الأعمال في "رحلة البطل
يحوّل أغيلار التركيز من المال إلى الأشخاص: "لا يتعلق التحول بالتمويل فحسب، بل بمساعدة المؤسسين على تحقيق ما هم قادرون عليه. وبرنامجه عبارة عن دورة إرشادية تهيئ رواد الأعمال للنمو من خلال تعليمهم قبول الملاحظات وتحويل الفكرة إلى مشروع تجاري قابل للتطوير. يجب أن يخفف من "الجرأة" الأولية المرونة والقدرة على التعلم.

رواية القصص كوسيلة جديدة للعناية الواجبة
"السرد القصصي هو الاجتهاد الجديد. في عالم مشبع بالمعلومات، فإن القدرة على سرد قصة مقنعة ليست مجرد تسويق، بل هي أداة استراتيجية. فالقصة الجيدة تجذب المواهب المناسبة وتقنع المستثمرين وتبني مجتمعاً من الولاء حول العلامة التجارية. إنها الغراء الذي يوحد النظام البيئي.

خاتمة: الشارقة، مفترق طرق لنهضة اقتصادية عربية جديدة

رسم المنتدى العالمي للاستثمار الأجنبي المباشر 2025، ككل، صورة لأمة - ومنطقة - تمر بمرحلة انتقالية كاملة وواعية. إن رسالة محمد العبار حول التصنيع ليست وداعًا للعقارات أو السياحة، بل هي تكامل ضروري لبناء اقتصاد أكثر نضجًا ومرونة قادر على إنتاج قيمة حقيقية.

المسار المرسوم واضح:

  1. التجريب من الأسفل شجّع ثقافة "التصنيع" والإنتاج، بدءاً من الصغيرة والرقمية.
  2. الجودة كاستراتيجية وطنية: في كل قطاع، من التجارة الإلكترونية إلى العقارات، يجب أن تكون جودة المنتج والأمانة هي بطاقة دعوة الإمارات العربية المتحدة للعالم.
  3. الانضباط كعامل مساعد: يجب أن يكون النمو مدفوعًا بالانضباط الصارم في العمليات والقرارات، وليس بنشوة المضاربة.
  4. السيادة التكنولوجية والإنتاجية: استثمر في الأبطال الوطنيين في القطاعات الاستراتيجية، من الرقمية إلى التصنيع، للتحكم في مصيرهم الاقتصادي.

وأثبتت الشارقة، بمهمتها الإنسانية وطويلة الأمد، أنها المكان المثالي لهذا النقاش. وأظهر المنتدى أن دولة الإمارات العربية المتحدة لا تكتفي بكونها معجزة سريعة الزوال، بل تعمل بصبر على تجميع القطع معاً من أجل نهضة اقتصادية دائمةحيث تجتمع رؤية القادة وشجاعة رواد الأعمال وحكمة المستثمرين لتصميم مستقبل ليس ثرياً فحسب، بل متيناً ومستداماً ومتجذراً بعمق في القدرة المتجددة على الإبداع.

نموذج المستورد

يرجى ملء الحقول أدناه.
سيتصل بك فريقنا في أقرب وقت ممكن.