+(39) 351-844-6489

التحول الاقتصادي في سلطنة عُمان: فائض تجاري بقيمة $9.1 مليار دولار وسط تحول استراتيجي إلى الصادرات غير النفطية وشراكة قوية مع الإمارات العربية المتحدة

التحول الاقتصادي في سلطنة عُمان: فائض تجاري بقيمة $9.1 مليار دولار وسط تحول استراتيجي إلى الصادرات غير النفطية وشراكة قوية مع الإمارات العربية المتحدة

سجّلت سلطنة عُمان فائضًا تجاريًا كبيرًا بلغ 3.555 مليار ريال عُماني (حوالي 9.1 مليار دولار أمريكي) للأشهر السبعة الأولى من عام 2025، وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يمثل انخفاضًا كبيرًا بنسبة 34.6% عن الفائض البالغ 5.432 مليار ريال عماني المسجل في الفترة نفسها من عام 2024، إلا أنه يكشف عن سرد أكثر دقة وتحولاً للاقتصاد العماني. ويكمن وراء الفائض الذي يتصدر العناوين الرئيسية قصة تنويع اقتصادي مدروس ومتسارع، ونمو مرن في القطاع غير النفطي، وتعميق التحالفات التجارية الإقليمية الاستراتيجية، وعلى الأخص مع الإمارات العربية المتحدة. تقدم البيانات المعلنة، التي تغطي حتى يوليو 2025، لمحة مقنعة عن اقتصاد في خضم محور استراتيجي، حيث نجح في التعامل مع المد والجزر المتقلب لأسعار النفط والغاز العالمية مع إرساء أساس أكثر استدامة ومرونة لمستقبله على المدى الطويل.

ويُعزى الانخفاض في الفائض الإجمالي، من 5,432 مليار ريال عماني إلى 3,555 مليار ريال عماني على أساس سنوي، إلى التصحيح المتوقع في قطاع النفط والغاز. فقد انخفضت قيمة صادرات النفط والغاز العمانية بنسبة 17 في المائة إلى 8.582 مليار ريال عماني بحلول يوليو 2025، منخفضة من 10.344 مليار ريال عماني في العام السابق. ويعد هذا الانكماش انعكاساً مباشراً لانخفاض أسعار الطاقة العالمية وتعديلات الإنتاج التي ميزت الفترة 2024-2025، مما أثر على جميع الدول المصدرة للمواد الهيدروكربونية. ومع ذلك، فإن هذا المقياس التقليدي للصحة الاقتصادية لم يعد يحكي القصة الكاملة لعُمان الحديثة. فالعنوان الرئيسي الحقيقي والأكثر أهمية من تقرير المركز الوطني للإحصاء والمعلومات هو الطفرة القوية المعاكسة للدورات الاقتصادية في الاقتصاد غير النفطي، والذي أصبح بسرعة المحرك الجديد للتجارة العمانية وشهادة على نجاح إطار التنمية الوطنية، رؤية عمان 2040.

محرك التنويع: الصادرات غير النفطية تمضي قدمًا في مجال الصادرات غير النفطية

وفي دليل قوي على المرونة الاقتصادية، نمت صادرات السلطنة السلعية غير النفطية بنسبة 11.3% لتصل إلى 3,890 مليار ريال عماني بنهاية يوليو 2025، مقارنة بـ 3,497 مليار ريال عماني خلال الفترة نفسها من عام 2024. هذا النمو ليس حدثاً منفرداً بل هو جزء من مسار تصاعدي مستدام يتزايد زخمه منذ سنوات. على سبيل المثال، أظهرت بيانات مارس 2024 بالفعل زيادة مذهلة بنسبة 44.9 في المائة على أساس سنوي في الصادرات غير النفطية، مما يشير إلى أن الأداء الحالي هو جزء من تحول هيكلي عميق الجذور.

هذا النمو المثير للإعجاب هو نتيجة مباشرة لاستراتيجية وطنية متعددة الجوانب تركز على التنويع الاقتصادي. وقد استثمرت الحكومة العُمانية، من خلال رؤيتها 2040، بقوة في القطاعات غير الهيدروكربونية وحفزتها. وتشمل الصناعات الرئيسية التي تقود هذا النمو في الصادرات ما يلي

  • التصنيع والمعالجة: تضيف عُمان قيمة كبيرة إلى مواردها الطبيعية بخلاف استخراج النفط الخام. ويشمل ذلك إنتاج وتصدير المواد الكيميائية المنقاة والبوليمرات والبلاستيك من المجمعات الصناعية في صحار وصلالة. وتضع السلطنة نفسها كمركز للصناعات التحويلية، حيث تقوم بتحويل المواد الخام إلى سلع تامة الصنع وشبه تامة الصنع ذات قيمة أعلى.
  • التعدين والمعادن: ويمثل قطاع المعادن، ولا سيما إنتاج الألمنيوم ومشتقاته من مصهر صحار للألمنيوم، مكوناً رئيسياً من الصادرات غير النفطية. وتعمل القيمة المضافة في هذا القطاع، بما في ذلك درفلة الألمنيوم وسبكه، على تعزيز قيمة الصادرات.
  • الأعمال التجارية الغذائية والزراعية: وتؤتي الاستثمارات في التكنولوجيا الزراعية ومصايد الأسماك ثمارها، حيث تجد التمور العمانية والمأكولات البحرية والمنتجات الغذائية المصنعة أسواقاً متنامية في المنطقة وخارجها.
  • الخدمات اللوجستية وإعادة التصدير: يعمل التطوير الاستراتيجي لموانئ مثل الدقم وصحار وصلالة على تسهيل التدفقات التجارية، حيث يعمل قطاع إعادة التصدير كجسر مهم بين الأسواق العالمية ومنطقة الخليج ككل.

ويكتسب النمو البالغ 11.3 في المائة في هذا القطاع أهمية خاصة لأنه حدث على خلفية انخفاض إجمالي الصادرات السلعية بنسبة 9.2 في المائة. وهذا يشير إلى أن القطاع غير النفطي ليس مجرد عنصر داعم بل هو الآن ممتص صدمات حاسمة، حيث يخفف من تأثير تقلبات أسعار النفط والغاز ويدفع بفعالية السرد التجاري للبلاد إلى الأمام.

مركز إعادة التصدير: براعة عُمان اللوجستية الاستراتيجية

وتعزيزًا لملفها التجاري المتنوع، أظهر قطاع إعادة التصدير في السلطنة أداءً مستقرًا ومرنًا، حيث سجل زيادة طفيفة بنسبة 0.5 في المائة ليصل إلى 1.04 مليار ريال عماني حتى يوليو 2025، مقارنة بـ 999 مليون ريال عماني في الفترة نفسها من عام 2024. وفي حين أن النمو متواضع، إلا أن ثباته هو الأساس. فهو يؤكد على دور عُمان الدائم كمركز موثوق واستراتيجي لإعادة التصدير ضمن دول مجلس التعاون الخليجي وعقدة حيوية في سلاسل التوريد الإقليمية والعالمية.

ويدعم هذا الأداء الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية اللوجستية ذات المستوى العالمي. يبرز ميناء الدقم، بمنطقته الصناعية الشاسعة وموقعه الاستراتيجي خارج مضيق هرمز، كمركز ضخم للصناعات الثقيلة وإصلاح السفن والخدمات اللوجستية. وبالمثل، يواصل ميناء صحار توسيع قدراته لمناولة الحاويات والسوائب بسلاسة مع المنطقة الحرة في صحار. توفر هذه المرافق مزايا تنافسية، بما في ذلك إمكانية الوصول إلى المياه العميقة ومعدات مناولة البضائع المتطورة والإجراءات الجمركية المبسطة، مما يجعل من عُمان نقطة إعادة شحن جذابة للبضائع المتجهة إلى دول مجلس التعاون الخليجي وشرق أفريقيا وجنوب آسيا. إن استقرار رقم إعادة التصدير، حتى خلال فترة عدم اليقين الاقتصادي العالمي، يدل على الثقة التي يضعها التجار الدوليون في الموانئ العمانية ونظامها التجاري.

جانب الواردات: مقياس لقوة الطلب المحلي

على الجانب الآخر من دفتر الأستاذ التجاري، ارتفع إجمالي الواردات السلعية العُمانية بنسبة 5.5% إلى 9,921 مليار ريال عُماني بنهاية يوليو 2025، مقارنة بـ 9,407 مليار ريال عُماني في الفترة المقابلة من عام 2024. ويُعد هذا الارتفاع مؤشراً قوياً وإيجابياً على صحة الاقتصاد المحلي. وبدلاً من الإشارة إلى ضعف الاقتصاد، فإنه يعكس طلبًا استهلاكيًا مستدامًا ومتزايدًا، ونشاطًا صناعيًا مستمرًا، واستثمارًا مستمرًا في مشاريع البنية التحتية والمشاريع التنموية.

توفر أنواع السلع المستوردة المزيد من المعلومات حول الأولويات الاقتصادية للبلاد. ويتألف جزء كبير منها من السلع الرأسمالية والآلات والمعدات الصناعية، والتي تعتبر ضرورية للتوسع المستمر في قطاعات التصنيع والتجهيز غير النفطية. وعلاوة على ذلك، تشير الواردات القوية من السلع الاستهلاكية إلى إنفاق الأسر المعيشية السليم، مدعومة ببيئة اقتصادية مستقرة وتزايد عدد السكان. ويؤكد هذا الطلب القوي على الواردات أن التباطؤ في الفائض التجاري الإجمالي ليس نتيجة انكماش الاقتصاد المحلي، بل هو عملية إعادة توازن حيث يحدث طلب داخلي قوي وتحول استراتيجي في التصدير في آن واحد.

الشراكة الإماراتية: حجر الأساس للتكامل التجاري الإقليمي

ولعل النقطة الأكثر دلالة في تقرير المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تتعلق بتعميق التكامل الاقتصادي مع الإمارات العربية المتحدة. فقد برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كرائد لا لبس فيه عبر مقاييس تجارية متعددة، مما يرسخ الشراكة التي تعتبر محورية في استراتيجية التنويع والتجارة الإقليمية في عُمان.

  • وجهة التصدير غير النفطية الرائدة: تصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة القائمة كأكبر وجهة للصادرات العمانية غير النفطية بحلول مايو 2025، حيث بلغت قيمة الصادرات العمانية 485 مليون ريال عماني - بزيادة ملحوظة بلغت 22.9 في المائة عن مايو 2024. يسلط هذا النمو الهائل الضوء على سلاسة الوصول إلى الأسواق والعلاقات التجارية القوية بين البلدين، والتي يسهلها عضويتهما المشتركة في مجلس التعاون الخليجي واللوائح التنظيمية المنسقة بشكل متزايد.
  • المصدر الرئيسي للواردات: كما مثلت الإمارات العربية المتحدة المصدر الرئيسي للواردات إلى عُمان، حيث بلغت قيمة السلع المستوردة إلى عُمان 1,651 مليار ريال عُماني. ويعكس ذلك سلاسل التوريد المتكاملة للغاية، حيث تتدفق المكونات والمواد الخام والسلع تامة الصنع والسلع النهائية بحرية عبر الحدود، مما يدعم التصنيع والاستهلاك في كلا البلدين.
  • الدولة الأولى في إعادة التصدير: واستكمالاً للثلاثية، كانت الإمارات العربية المتحدة الوجهة الأولى لإعادة التصدير العُمانية، حيث سجلت 248 مليون ريال عُماني. وهذا يشير إلى أن عُمان تمثل قناة لوجستية رئيسية للبضائع الداخلة إلى الإمارات العربية المتحدة والخارجة منها، خاصة بالنسبة للشحنات التي تستخدم موانئها الأقل ازدحاماً وطرق النقل البري.

هذه العلاقة التجارية متعددة الأوجه مع الإمارات العربية المتحدة هي نموذج مصغر للتكامل الاقتصادي الإقليمي الناجح. فهي تتجاوز مجرد التجارة الثنائية البسيطة إلى منظومة معقدة من الإنتاج المشترك، والخدمات اللوجستية المشتركة، والقوة الاقتصادية التكاملية. وتتعزز هذه العلاقة من خلال مشاريع البنية التحتية المشتركة الكبرى، مثل خط السكك الحديدية العماني الإماراتي، والذي سيؤدي عند اكتماله إلى خفض التكاليف اللوجستية وتعميق هذا التكامل، مما يخلق كتلة اقتصادية مشتركة قوية.

الشركاء التجاريون الرئيسيون الآخرون: بصمة عالمية متنوعة

وفي حين أن الشراكة مع دولة الإمارات العربية المتحدة لها أهمية قصوى، إلا أن علاقات عُمان التجارية متنوعة بشكل جدير بالثناء. وتُظهر البيانات انتشارًا صحيًا للشركاء الرئيسيين، مما يقلل من الاعتماد على سوق واحدة:

  • المملكة العربية السعودية: بعد دولة الإمارات العربية المتحدة، تعد المملكة العربية السعودية شريكًا مهمًا للصادرات غير النفطية، حيث استقبلت سلعًا عمانية بقيمة 451 مليون ريال عماني بحلول مايو 2025. ومع سعي كلا البلدين إلى تنفيذ برامج تنويع طموحة في إطار وثائق الرؤية الخاصة بكل منهما، فإن إمكانات الاستثمار والتجارة المتبادلة في السلع والخدمات غير النفطية هائلة.
  • الهند: وباعتبارها ثالث أكبر وجهة للصادرات غير النفطية (280 مليون ريال عماني)، تمثل الهند سوقاً آسيوية حيوية للمنتجات العمانية، وخاصة المعادن والكيماويات والبلاستيك. وتوفر الروابط التاريخية والثقافية بين البلدين أساساً قوياً لتوسيع هذه العلاقة.
  • إيران: وفي قطاع إعادة التصدير، كانت إيران ثاني أكبر وجهة بعد الإمارات العربية المتحدة، حيث بلغت قيمة صادراتها 109 مليون ريال عماني. وهذا يؤكد على الموقع الجيوسياسي الفريد لسلطنة عمان ودورها كشريك تجاري تقليدي ووسيط محايد، مما يسهل التدفقات التجارية التي قد تكون أكثر صعوبة بالنسبة للدول الأخرى.

السياق التاريخي والطريق إلى الأمام

لتقدير بيانات 2025 بشكل كامل، يجب النظر إليها في سياق تاريخي أوسع. فقد أظهرت اللمحة السابقة من مايو 2025 بالفعل فائضًا تجاريًا قدره 2,454 مليار ريال عماني، بانخفاض 38.5 في المائة على أساس سنوي، مدفوعًا بانخفاض صادرات النفط والغاز بنسبة 15.2 في المائة. ومع ذلك، حتى في ذلك الوقت، كان القطاع غير النفطي يُظهر نموًا واعدًا بنسبة 7.2 في المائة. وبالعودة إلى الربع الأول من عام 2024، بلغ الفائض التجاري 2.61 مليار ريال عماني، بزيادة كبيرة عن 1.93 مليار ريال عماني في الربع الأول من عام 2023، مدفوعًا جزئيًا بانفجار بنسبة 44.9 في المائة في الصادرات غير النفطية.

وتكشف هذه النظرة التاريخية عن نمط واضح: فالاقتصاد العماني يمر بمرحلة انتقالية مُدارة ومدروسة. وتتأثر التقلبات في الفائض التجاري الإجمالي تأثراً كبيراً بالدورة الهيدروكربونية العالمية، وهو متغير خارج عن سيطرة عُمان إلى حد كبير. ومع ذلك، فإن النمو القوي والمتواصل في الصادرات غير النفطية هو متغير تتحكم فيه عُمان بفاعلية ونجاح من خلال سياسة سليمة واستثمار استراتيجي.

إن التحديات المقبلة ليست قليلة الأهمية. فالبيئة الاقتصادية العالمية لا تزال غير مستقرة، والمنافسة على الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير النفطية شرسة داخل المنطقة. ومع ذلك، فإن استثمارات عُمان الاستراتيجية في الخدمات اللوجستية والتصنيع والطاقة المتجددة، إلى جانب استقرارها السياسي وتحسن مناخ الأعمال فيها، يجعلها في وضع إيجابي.

وختاماً، فإن الفائض التجاري البالغ 3.555 مليار ريال عُماني للأشهر السبعة الأولى من عام 2025 هو أكثر من مجرد رقم، بل هو رمز قوي لدولة تمر بمرحلة انتقالية. وفي حين أن الانخفاض عن العام السابق يسلط الضوء على التحدي المستمر المتمثل في الاعتماد على النفط والغاز، إلا أن النجاح الباهر لقطاع الصادرات غير النفطية والشراكة التجارية الحيوية استراتيجياً مع الإمارات العربية المتحدة يحكي قصة أكثر عمقاً عن المرونة والتنويع والتكيف مع المستقبل. فسلطنة عُمان لا تتغلب على عاصفة انخفاض عائدات النفط فحسب، بل تعمل بنشاط على بناء سفينة اقتصادية جديدة أكثر تطوراً واستدامة، لتقدم مثالاً مقنعاً للاقتصادات الغنية بالموارد في جميع أنحاء العالم. إن الأسس التي وُضعت اليوم تمهد الطريق لاقتصاد عُماني أكثر مرونة وازدهارًا، ويرتكز على أسس راسخة خارج قطاع النفط والغاز.

نموذج المستورد

يرجى ملء الحقول أدناه.
سيتصل بك فريقنا في أقرب وقت ممكن.